عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم متفق عليه . المزعة بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة : القطعة .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أي : سأله مالا فأعطاه ، ثم سأله فأعطاه ، ثم سأله فأعطاه . وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وحسن خلقه أنه لا يرد سائلا سأله شيئا فما سئل شيئا على الإسلام إلا أعطاه عليه الصلاة والسلام ، ثم قال حكيم : إن هذا المال خضر حلو خضر يسر الناظرين حلو يسر الذائقين ، فتطلبه وتحرص عليه . فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه فكيف بمن أخذه بسؤال ؟ يكون أبعد وأبعد ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك يعني ما جاءك بإشراف نفس وتطلع وتشوف فلا تأخذه وما جاءك بسؤال فلا تأخذه . ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام : اليد العليا خير من اليد السفلى اليد العليا هي يد المعطي ، واليد السفلى هي يد الآخذ ، فالمعطي يده خير من يد الآخذ ، لأن المعطي فوق الآخذ ، فيده هي العليا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . فأقسم حكيم بن حزام رضي الله عنه بالذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحق ألا يسأل أحدا شيئا ، فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا . فتوفي الرسول عليه الصلاة والسلام وتولى الخلافة أبو بكر رضي الله عنه فكان يعطيه العطاء فلا يقبله ، ثم توفي أبو بكر ، فتولى عمر فدعاه ليعطيه فأبى فاستشهد عمر عليه ، فقال : اشهدوا أني أعطيه من بيت مال المسلمين فلا يقبله قال ذلك رضي الله عنه لئلا يكون له حجة على عمر يوم القيامة بين يدي الله وليتبرأ من عهدته أمام الناس ولكن مع ذلك أصر حكيم رضي الله عنه ألا يأخذ منه شيئا حتى توفي . وفي اللفظ الآخر الذي ساقه المؤلف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول فالإنسان يبدأ بمن يعول ، يعني بمن يلزمه نفقته ، فالإنفاق على الأهل أفضل من الصدقة على الفقراء لأن الإنفاق على الأهل صدقة وصلة وكفاف وعفاف فكان ذلك أولى ، والإنفاق على نفسك أولى من الإنفاق على غيرك كما جاء في الحديث : ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك . وذكر المؤلف - رحمه الله - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهة مزعة لحم يأتي وليس عليه إلا عظام تلوح أمام الناس يوم القيامة ، نسأل الله العافية . وهذا وعيد شديد يدل على تحريم كثرة السؤال ولهذا قال العلماء : لا يحل لأحد أن يسأل شيئا إلا عند الضرورة إذا اضطر الإنسان فلا بأس أن يسأل ، أما أن يسأل للأمور الكمالية لأجل أن يسابق الناس فيما يجعله في بيته ، فإن هذا لا شك في تحريمه ، ولا يحل له أن يأخذ شيئا حتى الزكاة ولو أعطيها فلا يأخذها لإنفاقها في الأمور الكمالية التي لا يريد منها إلا أن يساوق الناس ويماريهم أما الشيء الضروري فلا بأس به ، والله أعلم .