إن كل أمة من الأمم تعتز بتاريخها وتفخر ببطولات رجالها وأبنائها، وإن أحق أمم الأرض بهذا الاعتزاز والفخار وبجدارة واقتدار، بل وبشهادة العزيز الغفار هي أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110
ونقدم لشباب الدعوة الذين يدعون إلى الله على بصيرة على منهج الوسطية في الإسلام الذي حثنا عليه ربنا- تبارك وتعالى -في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}البقرة143، وقال - تعالى -: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }البقرة185.
هذا النموذج من شباب الصحابة ليكون لهم نبراسا وضياء على طريق الدعوة إلى الله - تعالى -.
فمع كوكب من كواكب المجموعة النبوية الكريمة المباركة، نقدم قدوة ومثلا أعلى لشباب الصحوة الإسلامية ولجميع البشرية كلها بصفة عامة، إنه شاب صغير من شباب الصحابة رضوان الله عليهم.
إسلامه ومبايعته للرسول - صلى الله عليه وسلم -:
أسلم في الثامنة عشر من عمره وتوفي في الثالثة والثلاثين من عمره وفي هذه الفقرة القصيرة المملوءة بالبركة خط على صفحات التاريخ مجدا لم تشهده البشرية من قبل.
ففي ليلة من ليالي مكة، الليل دامس والصمت مخيم، والظلام شامل والسكون يضفي على الخيام في "منى" بكوكبة مضيئة من الأنصار - رضي الله عنهم -، يتسللون بين خيام "منى" يتلفتون وكأنهم قد سرقوا الإيمان سرقة، إلى أين؟ إلى العقبة لمقابلة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل البيعة ويلتقي هذا الصحابي الكريم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون: علام نبايعك يا رسول الله؟ فيقول - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في حديث جابر من عبد الله الأنصاري الذي رواه البيهقي وابن إسحاق بسند صحيح، يقول - عليه الصلاة والسلام - " تبايعوني على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وتبايعوني على النفقة في العسر واليسر، وتبايعوني على أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم وتبايعوني على أن تنصروني إذا قدمت عليكم إلى يثرب، وتبايعوني على أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ولكم الجنة" فيقول البراء بن معرور - رضي الله عنه - "والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أوزرنا فبايعنا يا رسول الله، فإنا والله إنا أهل الحرب، وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر".
ويقطع القول أبو الهيثم بن التيهان - رضي الله عنه - وأرضاه، فيقول : " يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالاً فإنا قاطعوها هل عسيت إن أظهرك الله - جل وعلا - أن ترجع إلى قومك وتدعنا "، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بل الدم الدم، الهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم "، فقال البراء بن معرور: " ابسط يديك يا رسول الله نبايعك " وبسط الحبيب يمينه المبارك وامتزجت القلوب والأيدي في مهرجان حب وولاء لم ولم تعرف البشرية له مثيلاً، ومن بين هذه الأيدي الكريمة تمتد يد صغيرة وضيئة لشاب كريم المُحيا براق الثنايا، يبهر الأبصار بهدوئه وسمته، فإذا ما تكلم ازداد انبهارا وتقديرا وإجلالا واحتراما.
إنها يد مقدام العلماء، إنها يد إمام الحكماء.
إنها يد سيد الدعاة الأتقياء، إنها يد القارئ القانت.
إنها يد المُحب الثابت، إنها يد السهل الثري.
إنها يد السَمّح السخِي، إنها يد معاذ بن جبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبــــــــــــــــــع :